حجابي عزتي
عدد المساهمات : 138 نقاط : 338 تاريخ التسجيل : 06/02/2012 العمر : 29
| موضوع: تفسير سورة عبس السبت مارس 17, 2012 7:16 pm | |
| سورة عبس
بسم اللّه الرحمن الرحيم.
الآية رقم (1 : 16)
{ عبس وتولى . أن جاءه الأعمى . وما يدريك لعله يزكى . أو يذكر فتنفعه الذكرى . أما من
استغنى . فأنت له تصدى . وما عليك ألا يزكى . وأما من جاءك يسعى . وهو يخشى . فأنت
عنه تلهى . كلا إنها تذكرة . فمن شاء ذكره . في صحف مكرمة . مرفوعة مطهرة . بأيدي
سفرة . كرام بررة }
ذكر غير واحد من المفسرين أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان يوماً يخاطب بعض عظماء
قريش، وقد طمع في إسلامه، فبينما هو يخاطبه ويناجيه إذ أقبل ابن أم مكتوم، وكان ممن أسلم
قديماً، فجعل يسأل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عن شيء ويلح عليه، وود النبي صلى اللّه
عليه وسلم أن لو كف ساعته تلك، ليتمكن من ذلك الرجل طمعاً ورغبة في هدايته وعبس في
وجه ابن أم مكتوم وأعرض عنه، وأقبل على الأخر، فأنزل اللّه تعالى، {عبس وتولى أن جاءه
الأعمى * وما يدريك لعله يزكى} أي يحصل له زكاة وطهارة في نفسه، {أو يذكر فتنفعه
الذكرى} أي يحصل له اتعاظ وازدجار عن المحارم. {أما من استغنى فأنت له تصدى} أي
أما الغني فأنت تَعَّرض له لعله يهتدي {وما عليك ألا يّزكى} أي ما أنت بمطالب به إذا لم يزك
نفسه. {وأما من جاءك يسعى * وهو يخشى} أي يقصدك ويؤمك ليهتدي بما تقول له، {فأنت
عنه تلهَّى} أي تتشاغل. ومن ههنا أمر اللّه تعالى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أن لا يخص
بالإنذار أحداً، بل يساوي فيه بين الشريف والضعيف، والفقير والغني، والسادة والعبيد، والرجال
والنساء، والصغار والكبار، ثم اللّه تعالى يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم، وله الحكمة البالغة
والحجة الدامغة، روى الحافظ أبو يعلى عن أنَس رضي اللّه عنه في قوله: {عبس وتولى}
قال: جاء ابن أم مكتوم إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم، وهو يكلم أبيّ بن خلف فأعرض عنه،
فأنزل اللّه عزَّ وجلَّ: {عبس وتولى * أن جاءه الأعمى} فكان النبي صلى اللّه عليه وسلم بعد
ذلك يكرمه "أخرجه الحافظ أبو يعلى"، وعن عائشة قالت: أنزلت {عبس وتولى} في ابن أم
مكتوم الأعمى،
أتى إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فجعل يقول أرشدني. قالت: وعند رسول اللّه صلى اللّه
عليه وسلم رجل من عظماء المشركين قالت: فجعل النبي صلى اللّه عليه وسلم يعرض عنه،
ويقبل على الآخر، ويقول: (أترى بما أقول بأساً)؟ فيقول: لا، ففي هذا أنزلت: {عبس
وتولى} "أخرجه ابن جرير وأبو يعلى"، وهكذا ذكر غير واحد من السلف والخلف:أنها نزلت
في ابن أم مكتوم، والمشهور أن اسمه عبد اللّه، وقوله تعالى: {كلا إنها تذكرة} أي هذه الوصية
بالمساواة بين الناس، في إبلاغ العلم بين شريفهم ووضيعهم، وقال قتادة {كلا إنها تذكرة} يعني
القرآن {فمن شاء ذكره} أي فمن شاء ذكر اللّه تعالى في جميع أموره، ويحتمل عود الضمير
إلى الوحي لدلالة الكلام عليه، وقوله تعالى: {في صحف مكرمة * مرفوعة مطهرة} أي هذه
السورة أو العظة {في صحف مكرمة} أي معظمة موقرة، {مرفوعة} أي عالية القدرة،
{مطهرة} أي من الدنس والزيادة والنقصان، وقوله تعالى: {بأيدي سفرة} قال ابن عباس
ومجاهد: هي الملائكة، وقال وهب بن منبه: هم أصحاب محمد صلى اللّه عليه وسلم، وقال
قتادة: هم القراء، وقال ابن جرير: والصحيح أن السفرة الملائكة، والسفرة يعني بين اللّه تعالى
وبين خلقه، ومنه السفير الذي يسعى بين الناس في الصلح والخير، كما قال الشاعر:
وما أدع السفارة بين قومي * وما أمشي بغش إن مشيت.وقال البخاري: سفرة: الملائكة:
سفرتُ أصلحت بينهم، وجُعلت الملائكة إذا نزلت بوحي اللّه تعالى وتأديته كالسفير الذي يصلح
بين القوم، وقوله تعالى: {كرام بررة} أي خَلْقهم كريم، وأخلاقهم بارة طاهرة، وفي الصحيح:
(الذي يقرأ القرآن وهو ماهر به مع السفرة الكرام البررة، والذي يقرؤه وهو عليه شاق له
أجران) "أخرجه الجماعة عن عائشة رضي اللّه عنها مرفوعاً".
الآية رقم (17 : 32)
{ قتل الإنسان ما أكفره . من أي شيء خلقه . من نطفة خلقه فقدره . ثم السبيل يسره . ثم
أماته فأقبره . ثم إذا شاء أنشره . كلا لما يقض ما أمره . فلينظر الإنسان إلى طعامه . أنا صببنا
الماء صبا . ثم شققنا الأرض شقا . فأنبتنا فيها حبا . وعنبا وقضبا . وزيتونا ونخلا . وحدائق
غلبا . وفاكهة وأبا . متاعا لكم ولأنعامكم }
يقول تعالى ذاماً لمن أنكر البعث والنشور من بني آدم: {قتل الإنسان ما أكفره}، قال ابن
عباس: لعن الإنسان، وهذا الجنس الإنسان المكذب لكثرة تكذيبه {ما أكفره} أي ما أشد كفره،
وقال ابن جرير: ويحتمل أن يكون المراد أي شيء جعله كافراً أي ما حمله على التكذيب
بالمعاد؟ وقال قتادة: {ما أكفره} ما ألعنه، ثم بين تعالى له كيف خلقه من الشيء الحقير، وأنه
قادر على إعادته كما بدأه فقال تعالى: {من أي شيء خلقه؟ من نطفة خلقه فقدره} أي قدّر
أجله ورزقه وعمله وشقي أو سعيد {ثم السبيل يسره} قال ابن عباس: ثم يسر عليه خروجه
من بطن أمه وهو قول عكرمة والضحّاك وقتادة والسدي واختاره ابن جرير وقال مجاهد: هذه
كقوله تعالى: {إنا هديناه السبيل إما شاكراً وإما كفوراً} أي بيناه له وأوضحناه وسهلنا عليه
علمه، وهذا هو الأرجح واللّه أعلم، وقوله تعالى: {ثم أماته فأقبره} أي أنه بعد خلقه له {أماته
فأقبره} أي جعله ذا قبر، والعرب تقول قبرت الرجل إذا ولي ذلك منه. وأقبره اللّه، وطردت
عني فلاناً وأطرده اللّه، أي جعله طريداً، وقوله تعالى: {ثم إذا شاء أنشره} أي بعثه بعد موته،
ومنه يقال البعث والنشور، عن أبي سعيد عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: (يأكل التراب كل
شيء من الإنسان إلا عجب ذنبه)، قيل: وما هو يا رسول اللّه؟ قال: (مثل حبة خردل منه
تنشأون) "أخرجه ابن أبي حاتم"وهذا الحديث ثابت في الصحيحين بدون هذه الزيادة، ولفظه:
(كل ابن آدم يبلى إلا عجب الذنب منه خلق وفيه يركب) "أخرجاه في الصحيحين عن أبي
هريرة"، وقوله تعالى: {كلا لما يقض ما أمره} قال ابن جرير: يقول جل ثناؤه كلا ليس الأمر
كما يقول هذا الإنسان الكافر من أنه قد أدى حق اللّه عليه في نفسه وماله، {لّما يقض ما أمره}
يقول: لم يؤد ما فرض عليه من الفرائض لربه عزَّ وجلَّ، عن مجاهد قال: لا يقضي أحد أبداً
كل ما افترض عليه.
وقوله تعالى: {فلينظر الإنسان إلى طعامه} فيه امتنان، وفيه استدلال بإحياء النبات من الأرض
الهامدة، على إحياء الأجسام بعدما كانت عظاماً بالية وتراباً متمزقاً، {أنا صببنا الماء صباً} أي
أنزلناه من السماء على الأرض، {ثم شققنا الأرض شقاً} أي أسكناه فيها فيدخل في تخومها،
فنبت وارتفع وظهر على وجه الأرض، {فأنبتنا فيها حباً وعنباً وقضباً}، فالحب كل ما يذكر
من الحبوب، والعنب معروف، والقضب هو الفصفصة التي تأكلها الدواب رطبة، ويقال لها القت
أيضاً. قال ذلك ابن عباس وقتادة، وقال الحسن البصري: القضب العلف، {وزيتوناً} وهو
معروف، وهو أدم وعصيره أدم، ويستصبح به ويدهن به، {ونخلاً} يؤكل بلحاً وبسراً، ورطباً
وتمراً، ونيئاً ومطبوخاً، ويعتصر منه رب وخل. {وحدائق غلباً} أي بساتين، قال الحسن
وقتادة: غلباً نخل غلاظ كرام، وقال ابن عباس ومجاهد: كل ما التف واجتمع، وقال ابن عباس
أيضاً {غلباً} الشجر الذي يستظل به، وقال عكرمة: {غلباً} أي غلاظ الأوساط، وقوله
تعالى: {وفاكهة وأباً} أما الفاكهة فكل ما يتفكه به من الثمار، قال ابن عباس: الفاكهة كل ما
أكل رطباً، والأب ما أنبت الأرض مما تأكله الدواب ولا يأكله الناس، وفي رواية عنه: هو
الحشيش للبهائم، وقال مجاهد: الأب الكلأ، وعن مجاهد والحسن: الأب للبهائم كالفاكهة لبني
آدم، وعن عطاء كل شيء نبت على وجه الأرض فهو أب، وقال الضحّاك: كل شيء أنبتته
الأرض سوى الفاكهة فهو الأب. وقال العوفي، عن ابن عباس: الأب: الكلأ والمرعى. روي أن
عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه قرأ {عبس وتولى} فلما أتى على هذه الآية: {وفاكهة وأباً}
قال: قد عرفنا الفاكهة فما الأب؟ فقال لعمرك يا ابن الخطاب إن هذا لهو التكلف "رواه ابن
جرير، وإسناده صحيح كما قال ابن كثير"، وهذا محمول على أنه أراد أن يعرف شكله وجنسه
وعينه، وإلا فهو يعلم أنه من نبات الأرض لقوله: {فأنبتنا فيها حباً وعنباً وقضباً وزيتوناً ونخلاً
وحدائق غلباً وفاكهة وأباً}. وقوله تعالى: {متاعاً لكم ولأنعامكم} أي عيشة لكم ولأنعامكم في
هذه الدار، إلى يوم القيامة.
الآية رقم (33 : 42)
{ فإذا جاءت الصاخة . يوم يفر المرء من أخيه . وأمه وأبيه . وصاحبته وبنيه . لكل امرئ
منهم يومئذ شأن يغنيه . وجوه يومئذ مسفرة . ضاحكة مستبشرة . ووجوه يومئذ عليها غبرة .
ترهقها قترة . أولئك هم الكفرة الفجرة }
قال ابن عباس: {الصّاخَّةُ} اسم من أسماء يوم القيامة، عظّمه اللّه وحذّره عباده، وقال البغوي:
{الصاخة} يعني يوم القيامة، سميت بذلك لأنها تصخ الأسماع، أي تبالغ في إسماعها حتى تكاد
تصمها، {يوم يفر المرء من أخيه * وأُمّه وأبيه * وصاحبته وبنيه} أي يراهم ويفر منهم؛
لأن الهول عظيم، والخطب جليل، قال عكرمة: يلقى الرجل زوجته فيقول لها: يا هذه أي بعل
كنت لكِ؟ فتقول: نعم البعل كنت، وتثني بخير ما استطاعت، فيقول لها: فإني أطلب إليك اليوم
حسنة واحدة تهبيها لي لعلي أنجو مما ترين، فتقول له: ما أيسر ما طلبت، ولكن لا أطيق أن
أعطيك شيئاً أتخوف مثل الذي تخاف، قال: وإن الرجل ليقى ابنه فيعلق به فيقول: يا بني أي
والد كنت لك؟ فيثني بخير، فيقول له: يا بني إني احتجت إلى مثقال ذرة من حسناتك لعلي أنجو
بها مما ترى فيقول ولده: يا أبتِ ما أيسر ما طلبت، ولكني أتخوف مثل الذي تتخوف، فلا
أستطيع أن أُعطيك شيئاً، يقول اللّه تعالى: {يوم يفر المرء من أخيه * وأُمّه وأبيه * وصاحبته
وبنيه} وفي الحديث الصحيح في أمر الشفاعة: حتى عيسى بن مريم يقول: لا أسأله اليوم إلا
نفسي، لا أسأله مريم التي ولدتني، عن ابن عباس قال، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم:
(تحشرون حفاة عراة مشاة غرلاً) قال، فقالت زوجته: يا رسول اللّه ننظر أو يرى بعضنا عورة
بعض قال: (لكل امرئ يومئذ شأن يغنيه) أو قال: (ما أشغله عن النظر) "أخرجه ابن أبي
حاتم". وروى النسائي عن عروة عن عائشة أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: (يبعث
الناس يوم القيامة حفاة عراة غرلاً) فقالت عائشة: يا رسول اللّه فكيف بالعورات؟ فقال: (لكل
امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه) "انفرد به النسائي من هذه الوجه". وعن أنَس بن مالك قال:
سألت عائشة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقالت: يا رسول اللّه بأبي أنت وأُمّي، إني سألتك
عن حديث فتخبرني أنت به، قال: )إن كان عندي منه علم( قالت يا نبي اللّه كيف يحشر
الرجال؟ قال: (حفاة عراة) ثم انتظرت ساعة، فقالت: يا رسول اللّه كيف يحشر النساء؟ قال:
(كذلك حفاة عراة)، قالت: واسوأتاه من يوم القيامة، قال: (وعن أي ذلك تسألين إنه قد نزل
علي آية لا يضرك كان عليك ثياب أو لا يكون)، قالت: أية آية هي يا نبي اللّه؟ قال: (لكل
امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه) "أخرجه ابن أبي حاتم"، وقال البغوي في تفسيره، عن سودة
زوج النبي صلى اللّه عليه وسلم قالت، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (يبعث الناس حفاة
عراة غرلاً قد ألجمهم العرق وبلغ شحوم الأذان)، فقلت: يا رسول اللّه واسوأتاه ينظر بعضنا إلى
بعض؟ فقال: قد شغل الناس {لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه} "حديث غريب من هذا
الوجه". وقوله تعالى: {وجوه يومئذ مسفرة ضاحكة مستبشرة} أي يكون الناس هنالك فريقين،
وجوه مسفرة أي مستنيرة {ضاحكة مستبشرة} أي مسرورة فرحة، قد ظهر البشر على
وجوههم، وهؤلاء هم أهل الجنة، {ووجوه يومئذ عليها غبرة * ترهقها قترة} أي يعلوها
وتغشاها {قترة} أي سواد، وفي الحديث: (يلجم الكافر العرق ثم تقع الغبرة على وجوههم(،
فهو قوله تعالى: {ووجوه يومئذ عليها غبرة} "أخرجه ابن أبي حاتم"، وقال ابن عباس
{ترهقها قترة} أي يغشاها سواد الوجوه، وقوله تعالى: {أولئك هم الكفرة الفجرة} أي الكفرة
قلوبهم، الفجرة في أعمالهم، كما قال تعالى: {ولا يلدوا إلا فاجراً كفاراً}
| |
|